مجلة البيان

الأديب الراحل .."سُليمان داود الحُزامي" لا يَسْكنْ قبره !

مُفتَتحْ، ما قبل البداية..

 ((إذا كان الموتُ هو انفصال الروحِ عن الجسدِ، فكلنا موتى، نسير على قدمين..!!..))..

***

حياة الإنسان لا تُقاس بقدر ما يعيشه من سنوات طالت أم قصرت، بل هي  أقرب ما تكون للشجرة التي لا تؤتي ثمارها إلا بقدر ما تروى .. ..                               

 

        لقد فقدت الحركة الفنية والثقافية والأدبية  العربية أحد رموزها في1/2/ 2016 م، هو الأديب الكويتي "سُليمان داود الحُزامي" رئيس تحرير مجلة (البيان الثقافية)السابق، وهو الذي ساهم بشكل كبير في إثراء الساحتين الفنية والأدبية بالعديد من النصوص المسرحية التي عُرض معظمها في الكويت، وتندرج تحت نصوص العبث..

        الراحل "سُليمان الحزامي" كان عاشقاً للإذاعة، فعلى مدى 16 سنة قدم البرنامج الثقافي الأسبوعي ((همس القلم)) الذي بُث عبر اثير اذاعة البرنامج العام والذي استضاف فيه عدداً كبيراً من المثقفين العرب والمسرحيين والسينمائيين والروائيين، وتم فيه طرح العديد من القضايا السياسية والفكرية والاقتصادية ..  

        فبعد رحلة مع المرض، رحل عنا "سليمان الحُزامي"رائد "مسرح العبث"، تاركاً وراءه بصمة خاصة في الثقافة الكويتية والعربية..

* الأديب الراحل سُليمان الحُزامي على سبيل البورتريه...

 

هو النجمُ القلق، الألق، المتأجج، الضاحك الباكي، في ذات الوقت، الوسيم،  المصقول،  الذي كان يحيا ؛ ليكتب، ويكتب ؛ ليحيا.. هو صرحٌ شامخٌ، رغم الأزمنة التي مرَّت عليه، ولم تغيّر فيه قيد أنملة،  بل رسمت على جدران سحنته لوحة فنية غاية في الروعة والجمال، يفوح من تلك الخِلقة الربَّانية  سمو الروح  وصفاء النفس، وعَبَق التاريخ يجمعهم في إناء واحد، نشعر بنبض الحروف يطل من عينيه  شاهراً سيف الإنسانية، تراه كهلاً،  يرقد- كعادته - خلف نظارة طبية  ذات  الــــ(شَنبر) العريض، ورأسه التي تمتلئ  بالفكر   والحكايات  والروايات ترقد تحت عِقال وغُترة، ويلتحف بجلباب أبيض شاهي، يضوع المِسكُ من أردانه، ويفوح ؛ ليملأ الطرقات بعبير قل أن يتكرر  عند الكثير من البشر، كما يتعملق الشيب- دونما إرادة منه-  ويشتعل حريقاً في بعض الشعيرات الهاربة من تحت  طاقيته (الشبيكة)،  هو  يأتي من بعيد يحمل على ظهره  عقوداً  كثيرة من العمر، هو (سبعينياً)، هو كالإنسان الذي عاش ألف عام  في بعض دقائق ليس إلا، هو  كذلك، قل ما شئت،  فأنت  في كل المواضع صائب،   لقد صال" سليمان الحُزامي " وجال،  ثم غادر، هكذا الحياة جولات وصولات، فمغادرة   لا بقاء في الدنيا، هي فترة نشاط أو صراع، يعقبها هجعة إلى أمد، فهذا الـــــ "الحُزامي"، نعده الحارس الأمين للمسرح الكويتي.. فلا يسعني عندما أبهج ناظري بقراءة سيرة المسرحي الكويتي "سُليمان داود الحُزامي" إلا أن أقول:- من رأى أن الحياة تقف عند حد  معين، فليقرأ سيرة  هذا الراحل  ؛ليغير فكرته المرتبطة بمعتقدات  ربما تكون عقيمة، إلى الأفضل بالتأكيد، نعم، الرجل الذي عاش في  دولة الكويت الشقيق وأعطى في مجالات عدة جمع  في شخصيته- أيضا- حنكة الإدارة القادرة على استخدام  الرؤية والتَّبصر،  نعترف أن حضور  السيرة الذاتية للراحل "سُليمان الحُزامي"  تضاهي غيابه  بالضبط، لأنه يسكن بداخلنا عبر أعماله التي  لم ترحل برحيله، ولم تسكن معه القبر .. الأستاذ "سُليمان داود الحُزامي"  يغيب خلف السراب، فنجده بجسده اللحيم، وحضوره المضيء، ونطقه الهادئ، وعمق كلماته تفيض بعمق  وضوء على كافة شخصياته التي أوجدها بكافة أعماله المسرحية، يعطيها ميزة ربما لاحظها الجميع- أنه لم يكرر نفسه من خلالها.. 

 

 

 

حظة البدء.. نهاية الطريق

        الثابت، أن بغياب المبدع - في أي   منحى من مناح الدنيا- تغيب عوالم   كثيرة،  كان ينبغي أن    تُضاف إلى هذا  الكون الإنساني.. في لحظة من اللاوعي،  وخارج     حدود الزمن،  رحل عنا هذا الأديب الأريب، فوقفت مشدوهاً،مضطرباً  لغيابه، فتشت عنه في دروب ذاكرتي، كنت تواقاً إلى رؤيته، عبر سيرته العطرة التي تظل عالقة بالنفس وقتاً طويلاً، وهي من سمات الأديب شديد الأصالة، نعم، هو مبدع بدرجة إنسان، فسيرته كانت سطورها  قليلة ولاهثة، ولد" سُليمان داود  الحُزامي"  في حي شرق بالكويت عام 1945 م، والتحق بمدرسة المرقاب حتى عام 1952 م، ثم تخرج في معهد المعلمين مدرساً لمادة الموسيقى للمرحلة الابتدائية عام 1971 م، كما تخرَّج في معهد الدراسات المسرحية في الكويت عام 1968، عاد من انجلترا عام 1975 بعد أن حصل على الليسانس في الأدب الإنجليزي، ثم عمل موجهاً فنياً في وزارة التربية بالنشاط المدرسي في عام 1975، ثم رئيسا لقسم الإذاعة المدرسية، ثم مراقبا للنشاط المسرحي، ثم مراقباً للبعثات في عام 1982 حتى 1991، ثم مديرا للتنسيق والمتابعة للمعاهد الفنية بوزارة التربية والتعليم العالي معد ومقدم ومخرج في إذاعة دولة الكويت وقد أخرج مسلسلات درامية تمثيلية، كما كتب وقدم وأخرج العديد من البرامج الإذاعية مثل: (أوائل الطلبة) و(ذكريات دبلوماسية)، و(من روضة الشعر)،و(شعر الصبايا)، كما كتب المقالة النقدية في المسرح والاجتماع، وكتب القصة القصيرة أيضا. ورحل في الأول من فبراير عام 2016 عن عُمر يُناهز السبعين عاماً ..  

 

قراءة عاجلة في ((إبداع  سُليمان الحُزامي))...

        تتمیز مسرحیات" الحُزامي" بأنها تستند إلی خلفیة ثقافیة واسعة، وکل مسرحیة تُکلِّفه سنوات عدیدة  من البحث والتحضیر،كما تنتمي مسرحياته إلی مسرح العبث واللامعقول، والبعض الآخر ينتمی إلی الشكل التاريخی، مع الإسقاط علی الحاضر   قرأ  "الحزامي" المسرح، وفی الأدب العربی والتاريخ، والسياسة، والشعر.                       

 

 

مؤلفاته المسرحیة

*"مدینة بلاعقول" التي صدرت عام 1971م عن دارالعودة، بیروت.

*"القادم"، صدرت عام 1978م، عن دار ذات السلاسل.

*"امرأة لا ترید أن تموت"، صدرت فی  کتاب عام 1978م عن دار ذات السلاسل أيضاً.

* "یوم الطین"، صدرت فی کتاب عام 1982م، عن دار ذات السلاسل. المسألة، صدرت عام1982م، عن دار السلاسل.

*" بدایة البدایة"، صدرت عام 1989م عن دار الشراع العربی.

*"بداية النهاية"، صدرت عام 2001م *"بورشيا"، صدرت عام 2006م                     

* لا نستطيع أن ندخل إلى العوالم المسرحية      للأديب الكويتي الراحل "سليمان الحُزامي" إلاّ من مساحة الإنسانيّة الطاغيّة، المثقلة بحياة تعجُّ بتفاصيل الألم، والعجز، والخيبة والانكسارات،تُخلق من ذاكرة  تفيض بالحسرة على أزمان مسروقة، ووطن منهوب على أيدي اللّصوص، والتفجّع من دروب كارهي الوطن.. أخال أنّ "سليمان الحُزامي" قد اختار مجال المسرح؛ ليكن جزءاً من عنوان حياته، كي يكسر متوقع القداسة المتوهّم والمستلب..

 

        أنا لست ناقداً، ولكنه القلم ما أن يرى الجمال يحاول أن ينهل من روافده.. لم أكتب حرفًا واحدًا في حياتي إلا من دفق القلب، وعمق الشرايين .. ومرارة المعاناة ..قبل أن تتلقفه اللغة والقالب– الأدبي، ويخرج الى العلن– ومن هنا لابد أن نتحدث بجدية عن ماهو المخبوء من إبداع الراحل"سُليمان الحُزامي"  فمن النادر  أن تجد عملاً أدبياً يجمع بين  متعة  الفكر  ومتعة الفن,  حلاوة الصنعة  وبهجة الحكي, بساطة السرد وعُمق المعنى، لكن مسرحية((مدینة بلاعقول)) جمعت كل هذا..

 

        ليس العناوين سوى مفاتيح دلالية يضعها المبدع غالباً بعد الانتهاء  من كتابة عمله، هي مفاتيح  محمَّلة  بشحنات مكثَّفة ويضج صدري بالفضول، ويحق لي ذلك فالمتجول في  كتابات" سُليمان  الخُزامي" يجد نفسه يصف صاحبها بأنه "مقصد لمن فضولهم لا بُرء منه"     

*أوسمة  وجوائز

        الراحل الأديب "سليمان الحُزامي" تم تكريمه في العديد من المهرجانات المحلية والخليجية والعربية سواء كانت فنية أو ثقافية، وكان آخر هذه التكريمات تكريمه مع 20 رائدا مؤثرا في الحركة المسرحية وكان آخرها مهرجان المسرح العربي الثامن الذي احتضنته  دولة الكويت ونظمته الهيئة العربية للمسرح الذي يرأس مجلسها الأعلى حاكم الشارقة الشيخ د. "سلطان القاسمي "وذلك في 16 الشهر الماضي على خشبة مسرح (الدسمة)، كما حصل "الحُزامي" على جائزة الدولة التشجيعية عن نص مسرحيته "بداية النهاية"، عام 2001، وعُرضت مسرحياته على مسارح الكويت ومنها"مدينة بلا عقول"، و"القادم"، و"يوم الطين"، و"الليلة الثانية بعد الألف"، وغيرها كما تضمن إنتاجه القصصي الكثير من الأفكار التي تنقد المجتمع بأسلوب رمزي ومن هذه القصص: "الأصابع تنمو من جديد"، "المحطة"، "رجل لا يريد أن يكون بطلا"، و"دقائق الرجل الذي لا يقول"، وغيرها..   

            

نهاية الرحلة..      

        تحنَّط الزمن، وتوقف، وثبتت الصورة الحية، ورحل عنا هذا النابض الذي يحمل قصعة الحياة على رأسه، ويترجل على خشبة المسرح عبر قلمه الذي لا ينضب،  رحل بعد أن ختم اسمه على فضاء المدينة، وسد الفراغات الهائلة بالمسرح الثقافي الكويتي، يُشار إلى أن "سليمان حزامي" رحل في صمت منه.. هي تلك اللحظة الفائتة من عقالات الزمان..  الله يرحمك أبا فواز  ويدخلك فسيح جناته ويلهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.

***